هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
معالجة العمالة السائبة مسؤولية مشتركة
من خلال الإجراءات التفتيشية شبه اليومية التي يقوم بها مفتشو هيئة تنظيم سوق العمل بالتعاون مع عدد من الجهات المختصة مثل مديريات شرطة المحافظات وكذلك ممثلون من الجنسية والجوازات، يبدو أن هناك توجها جديا لتصحيح الخلل الذي يعاني منه سوق العمل بسبب تفشي ما يمكن وصفها بظاهرة العمالة السائبة، التي تزايدت أعدادها خلال السنوات الماضية وما يترتب على ذلك من مخاطر اجتماعية تمس مختلف فئات المجتمع البحريني، فالعمالة السائبة غير النظامية واحدة من المخاطر التي تتطلب معالجة قانونية سليمة مع المراعات الدقيقة للجوانب الإنسانية من خلال عملية التصحيح التي تقوم بها هيئة تنظيم سوق العمل في الفترة الحالية، والتي يبدو أنها سوف تكلل بالنجاح.
كثير من الأخطاء يمكن تصحيحها ومعالجة التداعيات الناجمة عنها، إذا ما كانت هناك جدية حقيقية للتعامل الصحيح مع هذه الأخطاء، وكذلك الأمر مع قضية انتشار العمالة السائبة وتحولها إلى ما يشبه الظاهرة الخطيرة والضارة بالمجتمع وبالاقتصاد الوطني أيضا، مثل هذه القضية ليست بالخطأ الذي لا يمكن إصلاحه، مع أنه كان بالإمكان منع استفحاله، لو تم وضع اليد مبكرا على الخلل الذي تسبب في ظهور مثل هذه القضية، لو اتخذ ما يكفي من الإجراءات القانونية التي توفرها القوانين المعمول بها في المملكة.
مثل هذه المعالجة وبالأدوات القانونية المتاحة والمتوفرة، لم تحدث، مع الأسف، الأمر الذي جعل من هذه القضية تتحول إلى ما يشبه كرة الثلج، بل وواحدة من المشاكل التي تؤرق المجتمع نتيجة ما تفرزه وتسببه من أضرار، خاصة وأن العمالة السائبة، تتحرك وتعمل خارج نطاق مظلة القانون، مع أنها بالأساس بدأت عملها تحت مظلته، ولكن لظروف، ليس مهما شرح تفاصيلها، باعتبار أن جلها معروف لجميع الجهات ذات الصلة، ولكن من المؤكد أن بعضا من هذه الظروف أو الأسباب تعود إلى العمالة نفسها، وبعضها الآخر يعود إلى الطرف الآخر من المعادلة، أي أرباب العمل.
الجميع يعرف، وبالتأكيد أكثر من يعرف ذلك هي الجهة التي تقوم حاليا بتنفيذ عملية تصحيح الأخطاء القائمة بشأن هذه العمالة، ألا وهي هيئة تنظيم سوق العمل، تعرف أن هذا الجزء من العمالة الوافدة، المستهدف من مثل هذه الحملات التصحيحية، والذي انتقل إلى الوضع السائب، أي غير القانوني، لم يدخل سوق العمل في البحرين عبر الدهاليز، وإنما جاء عبر القنوات القانونية المصرح بها، وبحسب الأنظمة المتبعة في المملكة، وبالتالي يبقى من المهم جدا معالجة الأسباب التي أدت إلى انتقاله من العمل تحت المظلة القانونية إلى العمل خارج هذه المظلة.
استمرار الحملات التفتيشية التي تقوم بها هيئة تنظيم سوق العمل، إذا استمرت على هذه الوتيرة، وهو ما يبدو كذلك، فإنها من المؤكد أنها سوف تأتي بنتائج مثمرة تنعكس إيجابيا على أوضاع سوق العمل في البلاد، وتسهم بكل تأكيد في التقليل من الأضرار والمخاطر الأمنية والاجتماعية التي تتسبب فيها ظاهرة العمالة السائبة (غير القانونية)، لكن ذلك مشروط، بل ويتوقف على مدى الجدية في استئصال الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه المشكلة، فالعلاج، رغم أهميته، إلا أن معالجة الأسباب أهم.
ولكي يكون الإنسان منصفا وعقلانيا في معالجته وتشخيصه لأي من القضايا ذات الشأن العام، كما هو الحال مع قضية العمالة السائبة، فإن المسؤولية الأخلاقية تفرض الاعتراف بأن أسباب ظهور هذه المشكلة لا تعود فقط إلى التراخي في تطبيق القانون الذي ينظم عمل هذه الفئة ولا حتى إلى وجود ثغرات في القانون الذي يحكم وينظم نشاطها في البلاد، وإنما هناك مسؤولية تقع على عاتق أطراف أخرى، مثل أرباب العمل والعامل نفسه، لهذا يبقى من المهم تأكيد أن وضع حد لهذه القضية، لا يتوقف فقط على مدى جدية واستمرارية هيئة تنظيم سوق العمل في حملاتها العلاجية.
المعالجة الحقيقية والناجعة لهذه القضية، هي مسؤولية مشتركة تتحملها الجهة ذات العلاقة بتنظيم سوق العمل (هيئة تنظيم سوق العمل والجهات الرسمية الأخرى ذات الصلة)، وكذلك أرباب العمل، سواء أولئك الذين يستقدمون العمالة الوافدة تحت مظلتهم القانونية (الكفالة)، وكذلك أرباب العمل الذين يتعاملون مع عشرات الأفراد من العمالة السائبة من خلال توفير فرص العمل أمامهم نظرا إلى رخص قوة عملهم في السوق حيث يضطر هؤلاء إلى بيع قوة عملهم في مقابل ثمن بخس، والسبب في ذلك يعود إلى أوضاعهم غير القانونية في سوق العمل.
تحمُّلُ جميع أطراف هذه المشكلة، المسؤولية المشتركة من شأنه أن يسهل من عملية المعالجة التي تقودها هيئة تنظيم سوق العمل بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات الصلة بالوضع غير القانوني للعمالة السائبة، ولكن مهما بلغت هذه العملية وما حققته من نجاح، وهي نتيجة قابلة للتحقق بكل تأكيد، إلا أنه من المثالية الاعتقاد بإمكانية تحقيق الاجتثاث الكامل لهذه الظاهرة، لأنها باختصار موجودة أينما وجدت عمالة وافدة وفي الغالبية العظمى من دول العالم تقريبا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك