هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الإسراف العشوائي سلوك أم عادة؟
مع حلول شهر رمضان المبارك ومع كل استقبال وإحياء للعديد من المناسبات الدينية أو الاجتماعية الكبيرة، يدور الحديث عن أهمية مراعاة الجانب الاستهلاكي الرزين والابتعاد عن حالة الإسراف التي تحولت إلى ما يشبه الظاهرة الاستهلاكية الضارة التي تلازم التعامل الاجتماعي والأسري مع استقبال وإحياء مثل هذه المناسبات السنوية، ورغم التطور والتحول النوعي في الوعي الاستهلاكي الفردي والأسري والمجتمعي، فإن درجة الإسراف في عملية الشراء والاستهلاك، الغذائي بالدرجة الأولى، تبقى مرتفعة وتنم عن أن الفرد (الأسرة) لم يتمكن بعد من ضبط هذه العادة السلبية في التعامل مع احتياجاته الضرورية، بالآلية والطريقة التي تلبي الحاجة الحقيقية والابتعاد عن المظهرية في عملية الاستهلاك.
من المهم التنبيه إلى أن الاستهلاك غير المبرمج، أو بعبارة أصح، الإٍسراف في الاستهلاك المفرط، ليس مرتبطا باستقبال هذه المناسبة الدينية والاجتماعية أو تلك، وإنما هو نتيجة لسلوك خاطئ يمارسه الفرد (الأسرة والمجتمع) بشكل شبه يومي، وهي إن صح التعبير، تعتبر عادة مجتمعية خاطئة تحتاج إلى جهود مختلفة لتغييرها، وهذه الجهود لا تقوم ولا تتوقف على مدى التوعية العامة بخطأ هذه العادة، وإنما تعتمد بالدرجة الأولى على تحول نوعي في وعي الفرد ذاته، وبغض النظر سواء كان هذا الوعي ذاتيا، أي نتيجة تراكمات توعوية أو بسبب ظروف موضوعية تفرض على الفرد (الأسرة) اللجوء إلى ما يشبه التقنين في الاستهلاك.
قضية الاستهلاك الإسرافي تعاني منها العديد من المجتمعات، والأمر لا يتعلق وليس مرتبطا بالحالة الاقتصادية أو على القدرة الشرائية للأسرة، فهناك مجتمعات تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة ومداخيل متدنية تضغط على قدراتها الشرائية وتضعفها، ومع ذلك نجد ظاهرة الإسراف الاستهلاكي شبه متفشية، بل متأصلة لديها، في حين لا تجد لمثل هذه الظاهرة وجودا لدى مجتمعات متطورة اقتصاديا ويتمتع الفرد فيها بقدرات شرائية قوية نتيجة الدخول المرتفعة، وبالتالي لا يجب إرجاع ظاهرة الاستهلاك الإسرافي المنتشرة في العديد من المجتمعات، ومنها المجتمع البحريني، إلى القدرات الشرائية للأفراد.
عادة ما يرتبط ارتفاع الأصوات المنادية بعدم الاسراف والابتعاد عن الاستهلاك العشوائي، مع قدوم المناسبات الدينية السنوية، وهذا ربما يعود إلى أن وتيرة الاستهلاك العشوائي خلال هذه المناسبات ترتفع بشكل غير طبيعي، ولكن من حيث الواقع، فإن الاستهلاك غير المنظم والعشوائي يمارس بشكل شبه يومي من الغالبية العظمى من الأسر، والأمر هنا لا يتعلق فقط بالإسراف الغذائي المفرط، وإنما بالكماليات أيضا، حيث نجد تهافتا متواصلا على كل جديد يطرح في الأسواق، من دون النظر إلى مدى حاجة الفرد إلى هذا الجديد، أو ما إذا كان «القديم» الموجود بين يديه يؤدي نفس الغرض ويسد الحاجة.
معالجة هذه الظاهرة، التي تعتبر بكل المقاييس مكلفة ماديا ومضرة بيئيا، معالجتها تحتاج إلى ما يشبه التشذيب اليومي، يبدأ من الفرد ذاته، من أجل إحداث تراكمات كمية ونوعية لتعزيز الوعي المجتمعي، بشكل عام، والوعي الفردي بشكل خاص، من أجل التغلب على هذه الظاهرة وعزلها نهائيا عن السلوك الاستهلاكي للفرد والأسرة بشكل عام، فهناك الكثير من العادات الخاطئة التي استطاعت الكثير من المجتمعات التخلص منها واجتثاثها، وبالتالي ليس من المستحيل إنجاز ذلك مع ظاهرة الاستهلاك الإسرافي العشوائي المنتشر في أوساط أفراد العديد من المجتمعات، ونحن واحد من هذه المجتمعات.
رئيس قسم الموارد الطبيعية والبيئة في كلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي الدكتورة سمية يوسف قالت خلال مشاركتها في المؤتمر الخليجي السادس لكفاءة المختبرات، الذي نظمته هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العاصمة السعودية الرياض في شهر أكتوبر من العام الماضي، «إن دول الخليج من الأعلى عالمياً في نصيب الفرد سنوياً من إنتاج مخلفات الأغذية»، مشيرة إلى «أن دول المجلس تنتج حوالي 95 مليون طن من المخلفات سنويا يتم دفن 87% منها في المرادم، في حين تبلغ كمية مخلفات الغذاء منها أكثر من 40 مليون طن سنويا، حيث إن ثلث الطعام المعد للاستهلاك يتم هدره سنويا».
هذه الأرقام الكبيرة تتحدث عن الجانب المتعلق بهدر المواد الغذائية، وهو الهدر الناجم، بكل تأكيد، عن الاستهلاك غير المنظم، أي العشوائي، ومن المؤكد أن الهدر لا ينحصر فقط في جانب المواد الغذائية، وإنما في الكثير من المواد الاستهلاكية، ومنها الكماليات، فالأرقام ستكون بكل تأكيد جدا مفزعة، هذا الواقع الخاطئ لا بد من تغييره.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك