هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
السودان أمام مفترق خطير
الأحداث الدامية التي تفجرت في السودان الشقيق خلال الأيام الأخيرة بين أكبر مكونين عسكريين، القوات المسلحة السودانية وقوات التدخل السريع التي يقدر عدد أفرادها بحوالي مائة ألف عنصر، هذه الأحداث تعد أخطر بكثير من تلك التي تسببت فيها سنوات الحرب الأهلية، إضافة إلى عواقب السياسة الخاطئة والفاشلة لنظام الرئيس السابق عمر البشير، تلك الأخطار التي كان أسوأ ثمارها تغير السودان إلى سودانين بعد انفصال جنوب البلاد عن شمالها وإقامة دولة مستقلة كاملة العضوية في الأمم المتحدة والمنظمات القارية والدولية، فهذه الأحداث الدامية التي يشهدها السودان الشقيق لن تؤدي فقط إلى تعقيد المشهد السياسي والأمني المعقد أصلا، وإنما من شأن استمرارها وعدم احتوائها أن تهدد مستقبل ما تبقى من السودان الموحد جغرافيا وسياسيا وسياديا حتى الآن.
من الناحية التاريخية، فإن السودان لم يعرف ذلك الاستقرار السياسي والأمني طويل الأمد، سواء بسب الانقلابات العسكرية وتنازع السلطة بين العديد من مكوناته، أو بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات التي تخرج من أرحام الانقلابات، وما زاد الطين بِلة، كما يقول المثل، تفجر الصراعات الدموية الداخلية بين عديد من المكونات العرقية والسياسية السودانية الأمر الذي تسبب في كثير من المشاكل والمصاعب والإخفاقات الاقتصادية والسياسية وفاقم في نفس الوقت من حدة الخلافات والصراعات بين مختلف المكونات ومراكز القوى والمصالح الفئوية.
أخطر ما يكمن وراء استمرار الأحداث الأخيرة، إمكانية انزلاق السودان إلى صراعات دموية أخطر وأعنف من تلك التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، خاصة وأن البلاد تفتقر إلى الاستقرار السياسي التي عجزت مختلف المكونات السودانية من تحقيقه بعد مرور أربع سنوات على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير (أسقط النظام في أبريل عام 2019)، حيث بقي المكون العسكري مهيمنا على السلطة من دون أن يستطيع تحقيق الاستقرار السياسي وتسليم السلطة للمكون المدني.
كل المؤشرات والدلائل والأرقام كذلك، تشير إلى أن الطرفين المتصارعين يملكان ما يكفي من القوة العسكرية لمقارعة ومقاتلة الطرف الأخر فترة ليست بالقصيرة، والأنباء التي تتحدث عن تحقيق «مكاسب» عسكرية لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر، كلها أنباء متضاربة صادرة أساسا عن الطرفين، وأيا تكن صحة هذه الأنباء من عدمها، فإن طرفي الصراع والاقتتال يتحملان كامل المسؤولية تجاه الوطن السوداني، وأن الإصرار على الاحتكام إلى لغة السلاح، يهدد الوحدة الوطنية والترابية للسودان ومصالح الشعب السوداني الشقيق.
هناك بكل تأكيد خلافات وتناقضات وتضارب مصالح كبيرة وعميقة بين مكوني الاقتتال في السودان، لكن هذه الخلافات والتناقضات لا يمكن حسمها بقوة السلاح، هذا أولا والأهم من ذلك كله، أن من الخطأ الفادح جدا، أن يلجا الطرفان إلى لغة الحسم العسكري والتي ستكون بكل تأكيد على حساب مستقبل الوطن السوداني، وبالتالي، فإن المسؤولية الوطنية تفرض على الجميع التخلي عن وهم الحسم العسكري للخلافات والتناقضات، وأن يضع الجميع، كل الاعتبار والاهتمام لمصلحة السودان ومستقبل شعبه، قبل المصالح الفئوية الضيقة التي لا يمكن أن يكون تحقيقها على حساب المصالح الجامعة والشاملة لجميع مكونات الشعب السوداني.
كان يجب على جميع الأطراف، وتحديدا المكونين العسكريين اللذين يتصدران مشهد التهديد الأخير، أن يضعوا تجربة الصراعات الدموية الخطيرة والسياسة الفئوية الخاطئة للنظام السابق والتي تسببت في تقسيم السودان إلى سودانين، أن يضعوها نصب أعينهم لأن الوقوع في أخطاء خطيرة كتلك التي تحصل الآن من شأنه أن يكرر تلك التجربة ويتسبب في صوملة ما تبقى من السودان، فالتركيبة العرقية والدينية والقبلية في السودان ذات ميزة خاصة جدا، وهي هشة ورخوة في عديد من المفاصل، وهذه نقطة ضعف خطيرة في مثل هذه الحالات التي يمر بها السودان حاليا.
فتأمين المصالح الفئوية الضيقة لا يتحقق إلى من خلال تأمين المصالح الوطنية الجامعة، وأن أي فئة أو مكون من مكونات العمل السياسي السوداني تعتقد أو تفكر بغير هذا المنطق، فإنها مخطئة ولن تصل إلى مثل هذا الهدف الخاطئ، هذا ما يجب أن تدركه جميع الأطراف، وخاصة طرفي الاقتتال الحالي، والتي عليها أن تصغي وتستمع إلى الدعوات والمناشدات الصادرة عن مختلف الدول، ومن الدول الشقيقة بالدرجة الأولى والتي ليس لها مصلحة سوى استقرار السودان ووحدته الجغرافية والديموغرافية.
في مثل هذه الظروف الخطيرة التي يمر بها السودان الشقيق، فإن الدول العربية، والجامعة العربية، مطالبة بتكثيف الجهود والحضور القوي من أجل منع انزلاق طرفي الصراع السوداني إلى منحى خطير من شأنه أن يجرف معه المكونات السودانية الأخرى، وهنا سوف ينفتح الباب أمام صوملة السودان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك