العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

السودان أمام مفترق خطير

الأحداث‭ ‬الدامية‭ ‬التي‭ ‬تفجرت‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬مكونين‭ ‬عسكريين،‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬وقوات‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬يقدر‭ ‬عدد‭ ‬أفرادها‭ ‬بحوالي‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬عنصر،‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬تعد‭ ‬أخطر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭  ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬فيها‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عواقب‭ ‬السياسة‭ ‬الخاطئة‭ ‬والفاشلة‭ ‬لنظام‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬عمر‭ ‬البشير،‭ ‬تلك‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭  ‬كان‭ ‬أسوأ‭ ‬ثمارها‭ ‬تغير‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬سودانين‭ ‬بعد‭ ‬انفصال‭ ‬جنوب‭ ‬البلاد‭ ‬عن‭ ‬شمالها‭ ‬وإقامة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمنظمات‭ ‬القارية‭ ‬والدولية،‭ ‬فهذه‭ ‬الأحداث‭ ‬الدامية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق‭ ‬لن‭ ‬تؤدي‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تعقيد‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬المعقد‭ ‬أصلا،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬استمرارها‭ ‬وعدم‭ ‬احتوائها‭ ‬أن‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬الموحد‭ ‬جغرافيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وسياديا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية،‭ ‬فإن‭ ‬السودان‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬سواء‭ ‬بسب‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬وتنازع‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مكوناته،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬السياسات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬أرحام‭ ‬الانقلابات،‭ ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بِلة،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل،‭ ‬تفجر‭ ‬الصراعات‭ ‬الدموية‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬العرقية‭ ‬والسياسية‭ ‬السودانية‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬والمصاعب‭ ‬والإخفاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬وفاقم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الخلافات‭ ‬والصراعات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المكونات‭ ‬ومراكز‭ ‬القوى‭ ‬والمصالح‭ ‬الفئوية‭.‬

أخطر‭ ‬ما‭ ‬يكمن‭ ‬وراء‭ ‬استمرار‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إمكانية‭ ‬انزلاق‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬صراعات‭ ‬دموية‭ ‬أخطر‭ ‬وأعنف‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬البلاد‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬عجزت‭ ‬مختلف‭ ‬المكونات‭ ‬السودانية‭ ‬من‭ ‬تحقيقه‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ (‬أسقط‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬عام‭ ‬2019‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬بقي‭ ‬المكون‭ ‬العسكري‭ ‬مهيمنا‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستطيع‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬وتسليم‭ ‬السلطة‭ ‬للمكون‭ ‬المدني‭.‬

كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬والدلائل‭ ‬والأرقام‭ ‬كذلك،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬المتصارعين‭ ‬يملكان‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لمقارعة‭ ‬ومقاتلة‭ ‬الطرف‭ ‬الأخر‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬بالقصيرة،‭ ‬والأنباء‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬مكاسب‮»‬‭ ‬عسكرية‭ ‬لهذا‭ ‬الطرف‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬كلها‭ ‬أنباء‭ ‬متضاربة‭ ‬صادرة‭ ‬أساسا‭ ‬عن‭ ‬الطرفين،‭ ‬وأيا‭ ‬تكن‭ ‬صحة‭ ‬هذه‭ ‬الأنباء‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬فإن‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬والاقتتال‭ ‬يتحملان‭ ‬كامل‭ ‬المسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬الوطن‭ ‬السوداني،‭ ‬وأن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬الاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬السلاح،‭ ‬يهدد‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والترابية‭ ‬للسودان‭ ‬ومصالح‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الشقيق‭.‬

هناك‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬خلافات‭ ‬وتناقضات‭ ‬وتضارب‭ ‬مصالح‭ ‬كبيرة‭ ‬وعميقة‭ ‬بين‭ ‬مكوني‭ ‬الاقتتال‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الخلافات‭ ‬والتناقضات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حسمها‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح،‭ ‬هذا‭ ‬أولا‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬الفادح‭ ‬جدا،‭ ‬أن‭ ‬يلجا‭ ‬الطرفان‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬الحسم‭ ‬العسكري‭ ‬والتي‭ ‬ستكون‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مستقبل‭ ‬الوطن‭ ‬السوداني،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬وهم‭ ‬الحسم‭ ‬العسكري‭ ‬للخلافات‭ ‬والتناقضات،‭ ‬وأن‭ ‬يضع‭ ‬الجميع،‭ ‬كل‭ ‬الاعتبار‭ ‬والاهتمام‭ ‬لمصلحة‭ ‬السودان‭ ‬ومستقبل‭ ‬شعبه،‭ ‬قبل‭ ‬المصالح‭ ‬الفئوية‭ ‬الضيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تحقيقها‭  ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المصالح‭ ‬الجامعة‭ ‬والشاملة‭ ‬لجميع‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭.‬

كان‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬وتحديدا‭ ‬المكونين‭ ‬العسكريين‭ ‬اللذين‭ ‬يتصدران‭ ‬مشهد‭ ‬التهديد‭ ‬الأخير،‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬تجربة‭ ‬الصراعات‭ ‬الدموية‭ ‬الخطيرة‭ ‬والسياسة‭ ‬الفئوية‭ ‬الخاطئة‭ ‬للنظام‭ ‬السابق‭ ‬والتي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬سودانين،‭ ‬أن‭ ‬يضعوها‭ ‬نصب‭ ‬أعينهم‭ ‬لأن‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬خطيرة‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يكرر‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬ويتسبب‭ ‬في‭ ‬صوملة‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬السودان،‭ ‬فالتركيبة‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬والقبلية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬ذات‭ ‬ميزة‭ ‬خاصة‭ ‬جدا،‭ ‬وهي‭ ‬هشة‭ ‬ورخوة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المفاصل،‭ ‬وهذه‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬السودان‭ ‬حاليا‭.‬

فتأمين‭ ‬المصالح‭ ‬الفئوية‭ ‬الضيقة‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأمين‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة،‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬السوداني‭ ‬تعتقد‭ ‬أو‭ ‬تفكر‭ ‬بغير‭ ‬هذا‭ ‬المنطق،‭ ‬فإنها‭ ‬مخطئة‭ ‬ولن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬الخاطئ،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدركه‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬وخاصة‭ ‬طرفي‭ ‬الاقتتال‭ ‬الحالي،‭ ‬والتي‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تصغي‭ ‬وتستمع‭ ‬إلى‭ ‬الدعوات‭ ‬والمناشدات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬مختلف‭ ‬الدول،‭ ‬ومن‭ ‬الدول‭ ‬الشقيقة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬والتي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬سوى‭ ‬استقرار‭ ‬السودان‭ ‬ووحدته‭ ‬الجغرافية‭ ‬والديموغرافية‭.‬

في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬والجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬مطالبة‭ ‬بتكثيف‭ ‬الجهود‭ ‬والحضور‭ ‬القوي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬انزلاق‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬السوداني‭ ‬إلى‭ ‬منحى‭ ‬خطير‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجرف‭ ‬معه‭ ‬المكونات‭ ‬السودانية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهنا‭ ‬سوف‭ ‬ينفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬صوملة‭ ‬السودان‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا