هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
السودان يدمر بأيدي أبنائه
أيًا تكن قوة تأثير التدخلات الخارجية في الأحداث الدموية المؤسفة التي يشهدها السودان الشقيق بسبب الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وعن ضلوع أياد خارجية «خفية» في هذه الأحداث، فإن هذه التدخلات وهذه الأيدي الخارجية، مهما كان تأثيرها، ليست الشرارة التي أشعلت هذا الحريق المدمر الذي من شأن استمراره أن يشعل السودان بأكمله ويدخله في نفق مظلم سيبقى من الصعب الخروج منه، وإن تحقق ذلك، فإن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوداني الشقيق، سيكون فادحا جدا، لن يقل فداحة عن ثمن تجزئة وتقسيم السودان إلى سودانين، فما يجري الآن على أرض البلد الشقيق ليس مجرد مناوشات عنيفة بين طرفين متخاصمين، بل إن ما يحدث يرقى إلى الحرب بين جيشين مدججين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
ما هو مؤكد أن سنوات حكم الرئيس المخلوع عمر البشير التي استمرت من عام 1989 عام الانقلاب على الحكم الشرعي المنتخب حتى عام 2019 حين أطاحت الثورة الشعبية بالحكم الاستبدادي الديكتاتوري، ما يحدث في السودان الآن هو جزء من تداعيات سنوات ذلك الحكم المستبد الذي أقفل جميع أبواب التطور السياسي في وجه مختلف القوى السياسية السودانية وتسبب في دخول السودان في حروب أهلية في مناطق مختلفة، وفرط في جزء مهم من التراب السوداني حين اقترح على قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق، إقامة دولة مستقلة في جنوب السودان، وهذه الدولة لم تكن على أجندة الحركة على الإطلاق.
فالأطراف السودانية المتصارعة، ومن بينها بكل تأكيد الكثير من فلول النظام السابق، جميعها تتحمل مسؤولية ما يحدث الآن، ولا يجوز إلقاء اللوم على قوى خارجية، بغض النظر عن وقوف هذه القوى إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، من أطراف الصراع الدموي، فهذه الأطراف لها أجنداتها الحزبية والفئوية الضيقة والتي لا تضع أي اعتبار لمصالح الشعب السوداني الذي يدفع الثمن حيث تشير المعلومات الواردة من السودان إلى سقوط أكثر من مائتي قتيل وإصابة حوالي ألف وأربعمائة آخرين بجروح مختلفة.
حتى الآن فإن جميع محاولات إقناع طرفي النزاع بوقف الاقتتال والاحتكام إلى لغة العقل ومراعاة مصالح الشعب السوداني، هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل بسبب تمسك الطرفين بمواقفهما المتعنتة وإصرار كل طرف على تحقيق ما يعتبره هدفا مشروعا، وهذا الفشل لا يعود إلى تدخلات خارجية، وإنما بسبب المواقف الخاطئة للطرفين وهو ما يؤكد عدم وضعهما أي اعتبار لمصالح أبناء الشعب السوداني، ولمستقبل السودان بأكمله، ذلك أن استمرار الصراع المسلح بين الجانبين من شأنه أن يجر أطرافا سودانية أخرى إلى ساحة الاقتتال وبالتالي يحمل ذلك تهديدا خطيرا للنسيج الاجتماعي السوداني الهش.
مهما حاول طرفا الصراع إثبات صحة موقف كل منهما، فإن انخراطهما في صراع دموي بالحدة التي يشهدها الجميع، هذا في حد ذاته كفيل بتحميلهما المسؤولية كاملة، خاصة وأن هذا الصراع لا تقف وراءه قضية وطنية عادلة يمكن الدفاع عنها والقتال من أجلها، وإنما تقف وراءه مصالح فئوية ضيقة إلى جانب مصالح خارجية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمصالح الوطنية السودانية، وإصرار كل منهما على مواصلة القتال حتى تحقيق الهدف الذي من أجله تفجر الصراع بينهما، يؤكد صواب النظرة القائلة إن مصالح ضيقة تكمن وراء ما يحدث في السودان الآن.
فالشعب السوداني الشقيق في غالبيته متضرر من هذا الصراع العبثي وهو وحده دون غيره من يدفع الثمن المادي والسياسي أيضا، فأعداد الضحايا من المدنيين الذين سقطوا قتلى ومصابين جراء هذا الصراع الدموي يؤكد هذه الحقيقة، كما إن هذا الصراع من المؤكد ستكون له انعكاسات سلبية وخطيرة على عملية التحول السياسي السلمي في البلاد، وهي العملية المتعثرة أصلا منذ الإطاحة بنظام البشير عام 2019 حيث فشلت حتى الآن كل جهود وضع العربة السياسية على سكتها الصحيحة، لأسباب كثيرة في معظمها تقع على عاتق المكون العسكري.
السودان الذي كان يحتاج إلى ما يشبه المعجزة للخروج من المأزق السياسي الذي بتخبط فيه منذ الإطاحة بنظام البشير، وهو النظام الذي خلف إرثا ثقيلا وخطيرا على المشهد السياسي السوداني، السودان في مثل هذه الأوقات هو أحوج من أي وقت مضى إلى تضافر قوى جميع مكوناته لتهيئة الأرضية الصالحة والسلمية لانطلاق العملية السياسية من أجل بناء دولة مستقرة تعيد إلى الشعب السوداني الشقيق الأمل الذي افتقده طوال فترة النظام السابق، لا أن يدخل مرة أخرى في نفق من الصراعات الدموية العبثية التي لن تثمر عن شيء سوى المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية أيضا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك