هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
هل انتهت المؤن الرمضانية؟
أتمنى أن أكون مخطئا في ظني، مع اعتقادي القوي بأن هامش الخطأ في مثل هذا الظن قد يكون شبه منعدم استنادا إلى واقع معاش وسلوك عام تشترك في ممارسته مختلف فئات المجتمع تقريبا، وأعني بذلك، أن جميع بيوت البحرين تقريبا لن تكون خالية من المؤن الرمضانية بعد انتهاء شهر رمضان، والتي قد تغطي احتياجات بعض الأسر لشهر رمضان آخر، وفي أقل تقدير أنها ستكفي عدة أيام، ذلك أنه من المستبعد جدا أن يمر شهر رمضان من دون أن تمارس الغالبية العظمى من الأسر عادة الشراء العشوائي غير الضروري، والخارج عن احتياجاتها، خلال شهر رمضان، فهذه، مع الأسف باتت عادة ملازمة للسلوك الشرائي لغالبية الأسر.
فجميع الأسر البحرينية تقريبا عادة ما تشتري فوق احتياجاتها من المواد الغذائية المختلفة، على مدى أشهر العام، ولكن وتيرة الشراء الاستهلاكي الفائض عن الاحتياجات الفعلية لأفراد الأسرة، ترتفع بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان المبارك، الأمر الذي ينجم عنه فائض في هذه المواد إلى ما بعد رمضان، ومع الأسف فإن كثيرا من المواد الغذائية «الرمضانية»، ليست مرغوبة بالشكل اليومي كما هو الحال عليه خلال أيام الشهر الفضيل.
هذه العادة (السلوك) ليست مقتصرة على الأسر البحرينية فقط، وإنما لدى معظم، إن لم تكن لدى جميع المجتمعات الخليجية والعربية، حيث الشراء غير المنظم والخارج عن الاحتياجات الضرورية لأفراد الأسرة، يكاد يكون سلوكا شائعا وثابتا في ممارسات الشراء، وعند الحديث عن الشراء خلال شهر رمضان، فإن لهذا الشهر وضعا خاصا، حيث ترتفع وتيرة التبضع بمختلف المواد الغذائية، والكثير منها فائض على الاحتياجات اليومية لهذا الشهر الفضيل، ناهيك عن الكمية المبالغ فيها والتي يذهب الكثير منها إما إلى سلة المهملات بعد الطهي، أو بسبب انتهاء فترة الصلاحية.
من خلال ملاحظة عمليات الشراء خلال شهر رمضان المبارك والكميات الكبيرة من المواد الغذائية التي تعرضها الأسواق والمحال، والكثير منها يرتفع الإقبال عليه في مثل هذه المناسبة الدينية، من خلال ذلك يمكن للمرء أن يجزم بأن كثيرا من البيوت يكون لديها فائض من المواد الغذائية «الرمضانية»، لأن الشراء عادة ما يكون فائضا عن الاحتياجات الحقيقية لأفراد الأسرة، ومع أن الشراء العشوائي الخارج عن الاحتياجات الضرورية هو عادة شبه ملازمة للسلوك الاستهلاكي لدى الغالبية العظمى من الأسر، إلا أن وتيرة هذا السلوك ترتفع خلال شهر رمضان.
ليس مبالغا القول إن مخلفات الموائد الرمضانية التي تذهب إلى سلات المهملات ربما تعادل، وقد تزيد أو تنقص قليلا، عن الاستهلاك اليومي الفعلي للوجبات الرمضانية، فالأرقام تتحدث عن عشرات الأطنان من الفضلات الغذائية التي ترسل إلى مدافن النفايات خلال الأشهر العادية، فما بالك حين يتعلق الأمر بأشهر المناسبات، التي يرتفع فيها الإقبال على شراء مختلف المواد الغذائية الخاصة بإحياء هذه المناسبات، كما هو الحال مع شهر رمضان حيث يرتفع الإقبال على أنواع معينة من المواد الغذائية مثل زيوت الطهي والطحين بمختلف أنواعه واللحوم، الحمراء بالدرجة الأولى، ومختلف أنواع الحبوب.
عملية تغيير السلوك الاستهلاكي لدى أفراد الأسرة والمجتمع بشكل عام، هي عملية معقدة وصعبة، وتحتاج إلى جهود كبيرة ومتواصلة، وهذا لا يمكن أن يحدث ويعطي نتائجه بسرعة، فهذا التغيير هو بمثابة عملية تراكمية تأخذ وقتا طويلا من الزمن كي تعطي نتائجها الإيجابية، مثل هذا السلوك الخاطئ في التعاطي مع الاحتياجات الضرورية للإنسان، بحاجة إلى عملية تشذيب متواصلة وطويلة الأمد، في ظل جهود كهذه لا بد أن تعطي نتائج إيجابية في المستقبل، وهناك بالفعل تغيرات، ولو طفيفة وغير مؤثرة بالدرجة المطلوبة، بدأت تظهر في الممارسة الاستهلاكية لدى شريحة، مع الأسف، غير كبيرة من المجتمع.
فالعديد من المجتمعات التي عانت في فترة من الفترات من السلوك الاستهلاكي، الغذائي تحديدا، الخاطئ استطاعت مع الوقت أن تتخلص من هذا السلوك، فالأرقام التي تتحدث عن حجم المواد الغذائية المهدورة، وحجم النفايات الغذائية بشكل العام، تؤكد ذلك، حيث تظهر هذه الأرقام الفرق الشاسع بين ما ترسله مجتمعاتنا من مواد غذائية فائضة، إلى مكبات النفايات، وما تخلفه تلك المجتمعات من هذه المواد أو من النفايات الغذائية بشكل خاص، وهذا دليل على حسن التدبير والفرق بين الوعي الاستهلاكي لدى مجتمعات عن مجتمعات أخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك